الحمد لله رب العالمين
من المعاني الرمضانية التي سنتناولها في هذه الخاطرة:أمارة التأهُّب والاستعداد.
في الصحيحين في ذِكر قصة غزوة تبوك قالوا: أنه غزى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، ولذلك لم يَعْذُر الله تبارك وتعالى أحدا، بل استنفر الناس كلهم، فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا)[التوبة:41]، (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[التوبة:41]، ثم ذكر المنافقين وغيرهم ممن أراد أن يستأذن وتبلَّد حِسُّه وتخلف من المشاركة في هذه الغزوة التي استنفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها الناس كلهم، لما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعذارهم قال: (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)[التوبة:44-45]، ثم ردَّ الله على حُجَّتهم وعُذرهم بأنْ بيَّن شيئاً من حالهم يكشف أصلاً انعدام الصدق في إرادة الجهاد والغزو مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً)[التوبة:46]. هذه حُجَّة تستكشف أعماق وأغوار النفس.
لكنهم ما أعدُّوا العدة؛ دلَّ على ماذا؟ دلَّ على أن القلوب لم يكن فيها عزيمة أصلاً على الجهاد، ولم يكن فيها قصد للجهاد.
وهذه الآية (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ)[التوبة:46]، لا تختص بباب الجهاد، فقط بل فيها معنى عام، لذلك كان علماء السلوك الإسلامي يستشهدون بها في كثير من العبادات في العلم والعمل، يعني:
مثلاً ابن القيِّم في «كتاب مفتاح دار السعادة»، من ضمن ما قرَّره ف هذا الكتاب أن قال: (إن العلم هو عُدَّة السفرِ إلى الله) ثم استشهد بقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً)[التوبة:46]. ثم قال: (ومن أراد شيئاً هيَّأ له عُدَّته).
هذا هو المعنى العام المُستنبط من هذه الآية، (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً)[التوبة:46].
وها نحن مقبلون على رمضان، فالنبحث عما في أنفسنا:
هل القلب مُمتلئ بالعزيمة على الصيام؟!
هل القلب مُمتلئ بالعزيمة على تقوى الله في الصيام؟!
هل القلب مُمتلئ بالعزيمة والنية والجِدِّية في قيام الليل واستثمار ساعات رمضان في القرآن؟
(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً)[التوبة:46].
فلا بد أن تظهر آثار على النفس البشرية.
مثلاً: من آثارها أنَّ الإنسان الصادق في استثمار ساعات رمضان تجده مهموم قبل رمضان يُريد أن يُقلِّل الصوارف قدر الإمكان ويَخْلُص منها ويُنهيها قبل رمضان، لِمَ؟ يريد أن يتفرغ للعبادة في رمضان.
والإنسان غير المهتم تجده قبل رمضان منشغلًا بدنيا، يتحن الفرص لإعداد الألعاب أو التفكير في البرامج والمسلسلات الرمضانية !!
شتّان بين الاثنين.
فالذي يريد شيئاً يُهيئ له عُدَّته، فلا يليق أن يُقبل علينا هذا الشهر الكريم والقلوب غافلة لاهية، غير مكترثة، بل لا بد من يتحرَّك فيها الشوق إلى شهر رمضان. فهذا دليل على الصدق في إرادة عبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا الشهر الكريم.
ولعل ما جرى في هذه الأيام من التزام أكثر الناس البيوت وعدم الخروج منها لغير الضرورة، بسبب ما حل بنا من هذا البلاء = لعله يكون سببًا للتفكيرة بجدية وحزم في استثمار شهر رمضان والاستعداد له على أتم حال، مع صدق النية وكثرة الدعاء واللجأ إلى الله في التوفيق لذلك.
وقد نكون حُرمنا الاجتماع في المساجد للتراويح والقيام، ولكن باب الله تعالى مفتوح لعبده في كل مكان وزمان، وخير صلاة الإنسان في بيته إلا المكتوبة -كما قال النبي ﷺ-، وعبادة السر التي بين الإنسان وربه من أعظم أسباب السعادة والثبات والطمئنية، فاحرص على اغتنام هذه الأيام، وأعد العدة وتهيأ للقيام بين يدي الله وضع جاحتك وسؤالك بين يديه، ولسان حالك ومقالك: ﴿وعجلت إليك رب لترضى﴾ [طه: ٨٤]
ثقةً بأن الله جل جلاله هو خيرُ من يُرجى لديه جزاء
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه : شيخ عدنان العُبَيَّات
إمام مسجد الهداية ببورت كوكويتلام بريتيش كولمبيا