10 Apr, 2020

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على من بُعث رحمة وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، آمين.

أما بعد، فلا يخفاكم أنه لم يبق بيننا وبين رمضان إلا بضع ليال معدودات، والمرء إذا كان ينتظر زائراً غالياً على نفسه وله منزلةٌ في قلبه فإنه ينشغل به قُبيل موعد قدومه، ولا يليق أن يقترب مِنّا هذا الشهر الكريم والقلوب في برود الغفلة وعدم الاكتراث.

وتبقى القلوب المؤمنة الحيَّة في جمر الشوق لهذا؛ لا يزيدها الاقتراب منه إلا حرارة وتلهفًا.

ولذا، ففي سياق ما نحن فيه من هذه الجائحة التي منعتنا من الاجتماع ي المسجد، أحببنا أن نذكر أنفسنا ببعض المعاني الرمضانية، تذكيرًا وموعظةً.

من هذه المعاني:

الكفارة السنوية، ولعلَّه يعبر بخاطر المرء ذكرى رمضان الفائت، وها قد كُتبتْ للمستمع الحياة ليُدرك -إن شاء الله- هذا الرمضان الذي نخطو الآن على أبوابه ولم يتبقَ بيننا وبينه إلا أيام يسيرة، طوال هذه السنة التي تفصل بين هذا الرمضان ورمضان الفائت؛ كم لنا من خطايا وكم مرةً لبسنا عار التقصير؟ كم من سماعٍ محرم؟ وكم من نظرٍ مُحرَّم؟  وكم من كلامٍ مُحرَّم سُجِّل في صحائفنا طوال تلك السنة الفائتة؟

وهذا هو الكريم سبحانه وتعالى يفتح لنا باب الكفارة السنوية؛ فُرصة لا تُعوَّض لغسل الصحائف.

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «الصلوات الخمس والجُمعة إلى الجُمعة ورمضان إلى رمضان مُكفِّراتُ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر».

فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يفتح لنا باب هذه الكفارة العظيمة، ليكون رمضان مَطْهَرة للنفوس من جِراحات سنة كاملة.

لكن قد يقول قائل: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث ذكر:

  1. كفَّارة يومية فقال: الصلوات الخمس
  2. وذكر كفَّارة أسبوعية وهي الجمعة إلى الجمعة

فإذا كانت الصلوات الخمس تُكفِّر الخطايا فماذا بقي للكفَّارة الأسبوعية التي هي الجُمعة إلى الجُمعة؟

وإذا كانت الصلوات الخمس التي هي كفَّارة يومية والجمعة إلى الجمعة التي هي كفَّارة أسبوعية فماذا بقي للكفَّارة السنوية الرمضانية؟

والجواب متعلِّق بأصل عام في الشريعة وهو:

  • أن الجزاء بقدر العمل
  • وأن آثار الأقوال والأفعال المحمودة والمذمومة في الشريعة إنما تظهر آثارها بحسب عمل العامل
  • وأثر العمل الصالح بتكفير الخطايا تكون قوته ودفعه بحسب إحسان المرء في عمله، وبحسب استيفاء شروط القبول

ومثاله: صلاة الجمعة:

في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح فكأنَّما قرَّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قرَّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنَّما قرَّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنَّما قرَّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنَّما قرَّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».

 فعلى قدر ما حصَّله المؤمن من فضيلة الجمعة تكون قوتها في دفع الخطايا، تكون قوتها في محو الخطايا، وعليه فإنَّ المؤمن إذا كان قد حصل منه تقصير في الخشوع في الصلوات الخمس وتقصير في صلاة الجمعة، فإن الله بفضله وإحسانه يفتح باب الكفارة السنوية في رمضان.

المحو والتكفير يقع بما يُتقبَّل من الأعمال، والله تعالى إنما يتقبَّل من المتقين، وأكثر الناس يُقصِّرون في الحسنات، فلهذا يُكفَّر بما يُقبل من الصلوات الخمس شيءٌ، وبما يقبل من الجمعة شيءٌ، وبما يقبل من رمضان شيءٌ آخر.

قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].

يعني: من اتّقى الله في ذلك العمل المُعيَّن فإنَّ الله يتقبَّل منه ذلك العمل المُعيَّن.

لذلك قد يوجد شخص يرتكب الكبائر لكن اتّقى الله في عملٍ مُعيَّن فيتقبَّله الله منه، ويوجد شخصٌ آخر خيرٌ منه لكن ما اتّقى الله في ذلك العمل المُعيَّن فلا يتقبَّله الله منه، وإن كان يتقبل الله منه أعمالاً أخرى قد اتّقاه فيها.

وما تقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في العمل المعين؟

هي شروط قبول العمل:

1- أن يكون خالصاً يريد به وجه الله.

2- وأن يكون صواباً يتبع فيه سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا تفسير توارد المُكفِّرات.

 

والمقصود، أن هذه كفارة سنوية عظيمة، إذا تأمَّل الإنسان في معناها اجتهد بإذن الله، ليتَّق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الاجتهاد في صيامه؛ لأنه بحسب قبول الصوم تكون قوته في دفع الذنوب ومحو الخطايا وإزالة الصغائر من سجلاته، وصحائفه يوم القيامة.

 

أخيرًا، هاهنا تنبيهان:

 

الأول: لم يبق على نصف شعبان سوى يومين، وقد في الحديث -الذي صححه ابن حبان-، عن النبي ﷺ، قال: «يطَّلِعُ الله تعالى إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مُشاحن».

وفي هذا الحديث حث على استقبال رمضان بقلب صاف من الشرك والتعلق بغير الله سبحانه وتعالى، ومن الغل والحقد الحسد والشحناء -وهي العداوة- على المسلمين، فاجتهد في إصلاح نفسك، وتوق أن تقع في يغضب به عليك ربك، واضرع إلى الله في أن يتقبل منك صالح أعمالك.

فلا تبيتنّ الليلة إلا وقد أزلت ما في قلبك من التعلق بغير الله، أو شحناء على أحد من المسلمين.

 

ثانيًا: قد يكون فات بعض الإخوة والأخوات أيام من رمضان السابق فلم يتيسر لهم صيامها لأعذار، ولكن لا يجوز لهم أن يؤخروا قضاءها حتى يدخل عليهم الشهر، وبما أننا في منتصف شعبان، فاحرص على قضاء ما فاتك، واستقبل رمضان وليس في ذمتك لله شيء.

 

والله يتولانا وإياكم بمنه وكرمه، اللهم بلغنا رمضان وأعنا على قيامه وصيامه.

كتبه : شيخ عدنان العُبَيَّات
إمام مسجد الهداية ببورت كوكويتلام بريتيش كولمبيا